العرافة
الفصل الثامن
لم يمرّ ثلاث دقائق، حتى كانت سيلا قد وصلت إلى هوية صاحبه الحقيقية.
وللمفارقة... لم تكن المفاجأة صادمة.
كانت سالي.
سالي، التي كانت تعتبر سيلا خصمًا منذ بداية السنة، ليس لشيء سوى لأن الجميع التفّ حولها من دون مجهود.
سيلا، التي لا تعبث حين تُمسّ سمعتها، بعثت برسالة قصيرة:
تعالي فوق السطح خلال ربع ساعة، لو ما جيتيش، هبعت الأدلة للشرطة بتهمة التشهير ونشر فضائح جنسية.
وبالفعل، لم تمضِ عشر دقائق حتى وصلت سالي، متخلّية عن حاشيتها المعتادة من الفتيات المُصفّقات والمتملّقات.
وحين قابلت سيلا، رفعت صوتها بتحدٍ مصطنع:
ـ "سيلا، إنتي جايبة الجرأة منين علشان تتهميني إني بنشر شائعات عنك؟"
اقتربت منها سيلا ببطء، ثم رفعت يدها وضربتها بالقلم.
تراجع وجه سالي وارتسم عليه الذهول، مدت يدها لوجنتها وسألت بذهول:
ـ "إزّاي بتضربيني؟!"
لكن سيلا لم ترد، بل أمسكت بشَعرها بعنف، وسحبت هاتفها، وأظهرت لها مقطع فيديو.
ظهر في الفيديو وجهٌ آخر لسالي، لا يشبه صورتها المثالية التي تحب أن تُظهرها.
كانت في غرفة خاصة، محاطة برجال ونساء، تنغمس معهم في تعاطي مواد ممنوعة.
ابتسامتها المترنحة، همساتها المائعة، وكل ما فعلته في تلك الغرفة... لم يترك مجالًا للشك.
كانت عارية، تمارس الجنس مع أكثر من رجل في آنٍ واحد.
جمُدت سالي في مكانها، وشحب وجهها كما لو أن الدم هرب منه.
ـ "إنتي... جبتي الفيديو ده منين؟! مستحيل..."
كانت تلك الليلة قد طُمرت في ذاكرتها، أو هكذا ظنت. لكن يبدو أن الشياطين الرقمية لا تنام.
لن تخبرها سيلا طبعًا أن الفيديو حُصّل من خلال عملية قرصنة دقيقة.
قالت سيلا، دون أن ترفع صوتها:
ـ "لما أصدق ندمك، مش هنشر الفيديو. بس لو فضلتِ فاكره انك فوق القانون... يبقى كل اللي شافوا بوستك، هيشوفوا وشّك الحقيقي."
سالي، التي فقدت توازنها، همست برجاء:
ـ "طب... عايزة إيه؟"
اقتربت منها سيلا، وربّتت على خدها المنتفخ بطرف قلمها الدوّار، وقالت:
ـ "هديكي ساعة... تنزّلي فيها اعتذار واضح، وتنكّري فيه كل حاجة. لو بعد ساعة، البوست لسّه موجود، أو اسمي لسه بيتنِطق في الجامعة بالطريقة دي، صدقيني، بكرة اسمك هيبقى التريند الأول في ازمير كلها."
نظرت إلى الوقت على هاتفها:
ـ "وبالمناسبة... فضلك خمسين دقيقة بس."
كانت سالي في حالة صدمة، تحاول التنفس. الصوره ، الذي نشرتها بهوية مزيفة، التقطها زميل في الصف كان يعرف بعداوتها مع سيلا.
أرسل لها الصورة، وسألته عن هوية الرجل الذي كانت برفقته.
لكنه لم يستطع تحديد ملامحه بسبب الظلام، سوى أنه سكان بلو باى فيلا .
وهكذا نسجت سالي حكاية وهمية، ودفعت الصورة لتنتشر مع قصة فتاة جامعية عشيقه لاحد الاغنياء.
ظنّت أنها ضربة قاضية... لكنها كانت تصفع نفسها بيدها.
ولتجنّب فضيحة أكبر، نشرت سالي فيديو اعتذار وهي تبكي بحرقة:
ـ "أنا آسفة... أنا كنت غيرانة. كل اللي اتقال عن سيلا كذب، والصورة فوتوشوب، وأنا اتصرّفت بحماقة لمجرد إنها تفوقت عليا."
كانت تتظاهر بندمٍ حقيقي، وتغدق في المديح:
"سيلا بنت محترمة، طيبة، قوية، وأنا كنت ضعيفة وجبانة."
انتشر الفيديو بسرعة الصاعقة. في لحظة، انقلبت الآية.
من كانت تُتهم، أصبحت ضحية، ومن نشرت الشائعة تحوّلت إلى فتاة مذنبة تطلب الغفران.
سألتها صديقتها المقربه عبر رسالة:
ـ "إنتي مضغوطة؟ حد هددك؟"
ردّت عليها:
ـ "لأ... هي الحقيقة إنّي غلطانة. الغيرة أعمتني."
أدركت أن الاعتراف بالخطأ أسهل من فتح أبواب جهنم عليها بفيديو قد يودي بحياتها ومستقبلها.
وصل الفيديو إلى الجميع، ومعه تغيرت النظرة تجاه سيلا بالكامل.
أرسلت سالي رسالة نصيّة قصيرة لسيلا
ـ راضية كده؟
نظرت سيلا إلى الرسالة، ثم حذفتها دون أن ترد.
هدأت العاصفة كما جاءت، فجأة.
وخلال كل هذا، وصلتها رسائل مواساة من "جاسر" و"ورد"، فردّت عليهما بكلمات مقتضبة.
كانت مرهقة، بالكاد نالت قسطًا من النوم ليلة البارحة.
غفت خلال فترة الظهيرة، في أقصى مقاعد القاعة، بين أوراق مبعثرة وهمسٍ غائب.
وحين فتحت عينيها، كان الفصل قد خلا إلا منها.
تمطّت ببطء، فركت عينيها، ثم لمحت شيئًا غريبًا.
شارة "ذئب وحيد" موضوعة في زاوية المكتب.
أسفلها، قُصاصة ورق صغيرة.
فتحتها.
سطر واحد فقط:
"الباب الخلفي للجامعه... تعالي حالا."
فقدت سيلا شعور النعاس على الفور. رمقت الشارة والملاحظة بنظرة باردة، ثم أسقطتهما في سلة المهملات دون تردد، وكأنها تتخلص من عبء قديم، ثم التقطت حقيبتها وسارت نحو الباب الخلفي.
كانت سيارة فيراري فاخرة تنتظرها هناك، تتلألأ تحت ضوء الشمس كقطعة من المجوهرات المتحركة. وعلى بابها، كان رجل طويل القامة، وسيم الطلّة، مستندًا بأناقة متعمدة.
ارتدى بذلة عصرية داكنة، تتناثر تفاصيلها بخيوط دقيقة من اللمعان، قلادة ألماسية تدلّت من عنقه، وسوار خشبيّ محفور برسومات دقيقة، وخاتم من اليشم صيغ على هيئة تنين يلتفّ كأنّه يحرس إصبع الإبهام.
من رأسه حتى قدميه، بدا كأنه إعلان متحرك للبذخ والثروة. كل تفصيلة فيه تصرخ: "انظر إليّ!"
ما إن لمحها تخرج، لوّح لها بإشارة خفيفة وقال بصوت دافئ:
"سيلا، تعالى هنا."
رمقته بنظرة عابرة، ثم وضعت قناعها، وأدارت له ظهرها، وغادرت بخطى ثابتة، كأنها لا تعرفه من الأساس.
ناداها بصوته الهادئ، لكنه ألقى قنبلة في كلماته:
"السيد صالح . طلب منّي ألاقيك."
توقفت سيلا فجأة، واستدارت ببطء، وهي تقول بسخرية باردة:
"فين العجوز الحقير؟"
فتح الرجل باب السيارة، وأشار لها بدعوة خفيفة:
"اركبي، ونتكلم جوّه."
هزّت رأسها بحدة:
"أنا سايقة عربيتي النهارده."
ابتسم بنصف سخرية:
"كان المفروض تتخلصي من الخردة دي من زمان. مش مكسوفة إن الناس تشوفك بيها؟"
ومن غير استئذان، حطّ إيده على كتفها، وبلُطْف خادع، ضغط عليها لتركب العربية.
"اهدي، الدنيا مأمّنة. المكان فاضي، مفيش حد هيسمع فضيحنا."
نظرت سيلا حوالينها، وفعلًا اكتشفت إن بوابة الجامعه، اللي كانت دايمًا مليانة ناس، بقت مهجورة، وكأنها تحت حراسة غيبية.
غمغمت بنبرة لاذعة:
"نائل... لسه زي ما انت، بتحب تستعرض."
اللي كان بيغيظها أكتر من أي حاجة، إن نائل دايمًا بيظهر وكأنه خارج من إعلان فاخر. مش بس شكله جذاب، لأ، لازم كمان يركّب على ده شوية فخامة زايدة.
رد عليها بضحكة خفيفة، من غير ما يتأثر بكلامها.
دايس على البنزين بهدوء، وتحرك بيها كام ميت متر، وبعدين مدّ لها زجاجة مية.
"خدي، هنروح مكان لذيذ شوية."
خدت الزجاجة منه، وسألته وهي بتفتح الغطا:
"فين ده؟"
ابتسم ابتسامة خبيثة كعادته:
"لما نوصل هتعرفي. قوليلي، انتي عملنى لايف من فتره ؟"
رفعت حاجبها وهي بترتشف:
"إحنا في الطائفة عندنا قواعد... لازم نجند تلاميذ في أول كل شهر."
ضحك وقال:
"الكل بيأكل من رزق السما، مش كده؟ ما هو أول الشهر ده بتاع الطقوس والاحترام."
سألته:
"بس انت عرفت منين إني عملت بث مباشر؟!"
هي دايمًا كانت حريصة، تخفي وشها وتغير صوتها... فازاي؟
قال بكل بساطة:
"لأنك الوحيدة اللي ما بتعرفيش تتصنّعي. بتقولي اللي في قلبك على طول، ومفيش حاجة بتخبيها. غير كده، واحدة من البنات اللي قروا معاكي طالعها، نشرت عنك بعد اللايف، وكشفت المصايب كلها. خطيبها كان مقامر ومديون واخد منها ٣٠٠ ألف دولار، وانفصلوا، وراحت اشتكته."
وبعد ما حكى القصة كأنها مجرد نكتة، غيّر الموضوع وقال:
"بس اسمعي، سيلا... خريطتك الفلكية مش زي أي حد. ما تعمليش النوع ده من الطالع أكتر من مرة في الشهر. التعمق الزيادة في مصير الآخرين ممكن يبوظ حظك."
ردت بهدوء:
"أنا عارفة حدودي."
وبعدين افتكرت، فسألته:
"لسه ما قلتليش العجوز الحقير فين؟"
"أماكنه صعب تتوقعها، وأنا شخصيًا ما اعرفش هو فين دلوقتي."
ولما شاف ضيقها بيزيد، قال بسرعة:
"بس هو يقدر يلاقيني بسهولة. عارف إنك عنيدة ومش طايقة تشوفيه اليومين دول، علشان كده قالّي أبلّغك حاجة."
نبرة صوته بقت جدية:
"بمجرد ما رابطة الزواج تنشط، حتى هو مش هيقدر يفكّها. قالك تعيشي حياة هادية مع عثمان، وتبطلي تفكري في طرق غريبة لفك الرابطة."
ضحكت سيلا، بس كان ضحك يائس:
"ده بجد بيضحكني. هو اللي حطّني في الارتباط ده، ودلوقتي خايف؟! ده حرامى بيشتكي إن محفظته اتسرقت."
نائل حاول يطيب خاطرها بابتسامة:
"هو بيحبك. وبعدين، إحنا ناس من طائفه السحر ، فاهمة خريطتك الكونية؟ لو هو شايف إن عثمان مناسب، يبقى هو مناسب ."
قاطعته:
"ولو أنا مصرّة أفك الرابطة؟"
"رابطة القدر ما بتتفكش."
سيلا قالت "دم قلبه هو الحل الوحيد."
بصّ لها بجدية لأول مرة، وقال:
"تقدري؟ ده أبوكي، اللي بيحبك أكتر من أي حاجة."
سكتت، والعين فيها كانت بتقول كلام أكتر من أي صوت.
لعنت بصوت خافت، بس جواها كانت عارفة إنها ما تقدرش تمد إيدها عليه.
قال نائل بصوتٍ هادئ يحمل شيئًا من العتاب:
«عارف إن اللي حصل من سنة كان صدمة كبيرة ليكي، بس الموت مالوش رجعة. اللي عايشين لازم يكملوا طريقهم. سيلا، لازم تحاولي تسيبي الماضي ورا ضهرك.»
لمعت عينا سيلا بنظرةٍ كادت تُقطّع الهواء من شدّتها، وهمست بجمود:
«مقدرش... مقدرش أنسى!»
ربّت نائل على شعرها كأخٍ عطوف، وقال بابتسامة متألمة:
«يا بنتي، لسه دمك بيغلي زي زمان.»
لكنها أبعدت إيده بحدة، وقالت بجفاف:
«ما تمدّش إيدك تاني... هتعزمني، هاتأكد الأول إن المكان يستاهل.»
ضحك بخفة، وكأن ردّها ما فاجئوش، وردّ:
«المعاد محجوز خلاص... تعالي بس، يمكن تتبسّطي. ونُعرّفك على شويه ناس فى الطريق .»
قالت ببرود وهي تبصّله من طرف عينها:
«أنا مش فاضية أتعرف على حد.»
ردّ نائل بنبرة هادئة لكن حازمة:
"لو عايزة تتقدمي في ازمير، فالتواصل هو المفتاح.."
لم تُجبه. اكتفت بصمتٍ جاف كعادتها حين لا ترغب بالخوض في جدالٍ لا طائل منه.
بشكل غير متوقع، كان المكان الذي اصطحبها إليه نائل هو "La Nuit Rouge "، وهو مكان سبق أن زارته من قبل.
رغم كِبر ازمير، إلا أن دوائرها كانت صغيرة.
عند دخولها الغرفة1900، لم تتفاجأ حين وجدت عثمان هو الأكثر لفتًا للأنظار وسط الحشد.
وكان يجلس إلى جانبه جنى، أخت سيلا غير الشقيقة،
ومن زاوية نظر سيلا، كان الاثنان يبدوان كزوجين غارقين في الحب.
تفاجأت جنى برؤية سيلا.
فمنذ وقت ليس ببعيد، كانت أختها الكبرى، التي يُفترض أنها شقيقتها، قد تجرأت على تحطيم فندق عثمان.
ألم تكن تخشى أن ينتقم منها؟
كيف لها أن تملك الجرأة للظهور مجددًا أمامه بعد ما فعلت؟
حتى عثمان لم يتوقع أن يراها هنا.
صحيح أنهما استيقظا هذا الصباح على نفس السرير، لكنهما الآن يجلسان متقابلين، كأن لا شيء كان.
كان اركان هو من نظّم هذا العشاء، بغرض تعريف نائل على عثمان.
لكن عثمان فوجئ حين ظهر نائل بصحبة سيلا.
كيف تعرف نائل على سيلا؟
وما نوع العلاقة التي تجمع بينهما؟
رغم أن وجه عثمان بقي ساكنًا لا يُظهر مشاعره، إلا أن عقله كان يغلي بأسئلة لا تنتهي.
وحين التقت نظراته بعينيها، سرعان ما حولت سيلا بصرها إلى جانبٍ آخر.
فقد كان بينهما اتفاق سابق، مفاده أنهما، ما إن يغادرا بلو باي، سيصبحان غرباء عن بعضهما البعض.
اقترب نائل وهمس لها بنبرة مرحة:
"سيلا، شايفة؟ مش حاسّة إن ده قدر؟"
نظرت إليه بنظرة جادة وقالت بهدوء:
"هفتكر اللي حصل النهارده كويس."
كانت تشك في أن نائل لا يعلم من سيقابل اليوم.
قال متأففًا وهو يتنهد:
" انتى ضيقه الأفق!"
رغم أن كلامهما كان همسًا بالكاد يُسمع، إلا أن قربهما، وطريقة حديثهما، جذبا أنظار الجميع - وخصوصًا أنظار عثمان.
بالنسبة له، هذا المشهد وحده كان كفيلًا بإشعال كل شيء داخله.
بصفته المُضيف الرسمي للحفل، استقبلهم اركان بابتسامةٍ عريضة ووجهٍ يفيض بالترحاب.
«سيد يلدريم ، كنت بدأت أشك إنك ناوي تطنشني لو اتأخرت أكتر من كده.»
تبادل نائل واركان التحية بقبضة يد كصديقين يعرفان بعضهما جيدًا، ولو من بعيد.
«أنا مش مجنون عشان أفوّت حفلة عثمان باشا ! التأخير كله علشان كنت باجيب حد مهم معايا.»
وما إن التفت اركان إلى الفتاة التي كانت تقف بجوار نائل، حتى سُلب نطقه. وجهها حمل جمالًا لا يُصدَّق.
من دي؟! الجمال ده مش عادي أبدًا... لم يكن يعلم أن نظراته المندهشة تلك أزعجت عثمان التي راقب الموقف بصمت.
لكزه نائل بخفة على صدره وضحك.
«اهدى شوية، دي خجولة ومش هتستحمل هزارك. دي صاحبتي، لسه جاية ازمير من فترة قصيرة، وقلت أوريها الدنيا.»
رغم أن العلاقة بين اركان ونائب لم تكن عميقة، إلا أن الاحترام المتبادل ظل حاضرًا بينهما، وذلك عبر الأصدقاء المشتركين.
أما انطباع سيلا الأول عن اركان، فكان قويًا.
لم يكن فقط وسيماً، بل كان يحمل حضورًا هادئًا جعلها تلاحظ كم هو مختلف عن من حوله.
تقدّم اركان بخطوة قائلاً:
«سيد يلدريم، أصحابك أصحابنا. اسمي اركان تاش، ولو حصل لك أي موقف هنا، قولي اسمي، ومحدش هيجرؤ يقلل من احترامك.»
مدت سيلا يدها بابتسامة هادئة:
«أنا سيلا صالح. اتشرفت بمعرفتك، سيد اركان.»
وما إن لامست راحتها يد اركان، حتى تجمّد لوهلة.
إزاي الجمال ده يخبي إيدين قاسية كده؟! الجلد هنا مش جلد بنت عادية... ده جلد صقلته ظروف، يمكن أسلحة؟ يمكن معارك؟
راودته الشكوك بحكم خبرته العسكرية.
لاحظ نائل نظرات اركان المتفحصة، فتدخل فورًا وصفّى حلقه:
«سيد تاش... كفاية كده.»
انتبه اركان لنفسه فجأة.
«كنت بس حابب أعرف إذا كان عندك خبرة معينة في... نوع معين من الأسلحة؟»
رفعت سيلا حاجبها بدهشة مصطنعة:
«أسلحة؟ أنا مش فاهمة حضرتك تقصد إيه.»
كان اركان يكره اللف والدوران، ولم يتردد في التعبير عمّا يجول في خاطره:
«إيدك بتقوللي حاجة مش مفهومة.»
كانت سيلا تعرف كيف تخفي الحقيقة خلف ابتسامة وادعة.
رفعت كفها بابتسامة بريئة:
«أنا بنت فقيرة، اشتغلت كتير عشان أدفع مصاريف دراستي. والمسامير دي... دي آثار تعب السنين في المزارع.»
دهش نائل.
إزاي بتكدب كده بمنتهى السلاسة؟!
حتى عثمان نفسه أتفاجأ، فكان يعرف مَن هي سيلا جيدًا، ويعرف مَن هو الرجل الذي ربّاها، والذي حتى السيد داوود يكن له الاحترام.
اركان شعر بالتردد.
يمكن فعلاً أنا بفكر زيادة؟ الناس ظروفها مختلفة.
وضحك بخفة وقال:
«واضح إني كنت حريص بزيادة.»
أما عمر، الذي جلس يراقب في صمت، فكان يحدق في سيلا بحيرة.
مش ممكن تكون البنت الرقيقة دي اشتغلت يوم واحد في مزرعة!
كانت بجانبه فتاة ذات حضور طاغٍ، ترتدي ملابس من أفخم الماركات، هاندا صاحبة مجموعة "كوتش"، الشهيرة.
حين سمعت سيلا تتحدث عن العمل في المزارع، ارتسمت على وجهها ابتسامة ازدراء.
جميع من في الغرفة ينتمون إلى النخبة العليا في ازمير. وبوجود فتاة مثل سيلا، شعر بعضهم أن المكان فقد شيئًا من رُقيه.
لكن اركان كان يرى شيئًا آخر تمامًا.
هوّ قدّر صدقها... أو هكذا ظن.
لم تمضِ دقائق حتى بدأ اركان يعرف الحضور ببعضهم البعض. المكان كان أشبه ببيتٍ ثانٍ لاعثمان، مصمم بذوقٍ رفيع، أشبه بالقصور.
الياس لم يتمكن من الحضور.
جنى وهاندا كانت تربطهما صداقة حقيقية، ولهذا حضرت جنى خصيصًا اليوم معاها أرادت استغلال الفرصة للتقرب أكثر من عثمان.
لكن اركان فاجأها بإحضار نائل وسيلا متجهًا بهما مباشرة نحو عثمان.
وأشار نحو جنى بيده، مطالبًا إياها بإخلاء المقعد.
قال بابتسامة:
«عثمان، أنا وعدتك أجيبه، أهو جيبته.»
كان يعلم أن عثمان يريد التحدث مع نائل على انفراد، ولهذا أشار لجنى بأن تتنحى جانبًا.
لكنها لم تتحرك.
تمسّكت بالمقعد، وكأنها تخوض معركة صامتة عليه.
لم يكن اركان يتوقع منها كل هذا العناد، فبدأ انطباعه عنها يتغير.
قال بنبرة حادة:
«آنسة جنى، مش شايفة الترتيب هنا؟»
هو لم يكن يعرف عن العلاقة بين جنى وسيلا، ولم يهتم. في عينيه، جنى مهما كانت متفوقة، تظل شخصية سطحية مقارنةً بغيرها.
أما وجودها اليوم، فكان أشبه بالتسلل؛ لم تكن مدعوة، بل حضرت كمرافقة لصديقة عمر.
والآن... تريد أن تتشبث بمقعد ليس لها؟
اقتربت جنى من عثمان وقالت بصوت مهزوز:
«مش هعطلك، سيد زهران...»
كان نائل يعلم تمامًا ما بين جنى وسيلا ولم يترك الفرصة تمر.
قال بنبرة قاطعة:
«لو اتجوزتي السيد زهران في المستقبل، أكيد مش هيضايق إنك تسمعي شوية من أموره الشخصية.»
احمر وجه جنى، وساد الصمت للحظة.
هذا التصريح كان بمثابة فضيحة. الحلم اللي كانت بتحلم بيه — لقب "السيدة زهران" — أصبح الآن مادة للسخرية.
فهم عثمان التلميح، وأشار بهدوء:
«اتفضلي لمكان تاني.»
اضطرت جنى أن تنسحب، ووجهها يقطر إحراجًا، بينما عيناها ترسلان نظرات غضب لسيلا.
نائل ابتسم وهو يُفسح المكان:
«سيلا، اقعدي هنا جنبي.»
مشهدها وهي تجلس بجواره، بمنتهى الأريحية، جعل عثمان يشعر بنار تسري في صدره.
الست اللي كانت في حضني الصبح، قاعدة دلوقتي تضحك وتتكلم مع راجل تاني... قدامي!
لكن هذا لم يكن وقت الغيرة ولا الحساب.
استعاد عثمان هدوءه، ونظر نحو نائل بجدية:
«السبب الحقيقي إني عزمتك النهاردة هو إني عاوز أعرف عن شخص معيّن.»
ابتسم نائل بأدب:
«قولى عايز تعرف ايه سيد عثمان .»
قال عثمان مباشرة:
«أنا عاوز أوصل للإمبراطور ك. فكرت لو ممكن تعرفني عليه.»
تردد نائل للحظة، ثم نظر لا إراديًا نحو سيلا.
كانت منشغلة بطبق
الفاكهة، تتذوق قطعة تلو الأخرى وكأنها غير معنيّة بالحديث.
الفاكهة هنا فعلاً أحلى من السوبر ماركت...
أدرك نائل أنه ما يقدرش يطوّل، وقال بهدوء:
«بصراحة، الإمبراطور ك مبقاش بيقبل شغل من فترة. حتى أنا معرفش مكانه. زمان، كان K-net مجرد موقع ويب غامض.
كان شعار إعلانه واضحًا ومضحكًا: طالما أنك على استعداد للدفع لإنجاز الأمور، فسأتأكد من حصولك على قيمة أموالك.
✨️✨️✨️✨️✨️✨️✨️✨️✨️✨️
هالووو حبايبى اتمنى الفصل يعجبكم متنسوش الفوت 🥰🥰
وارائكم وتوقعتكم ❤️❤️

تعليقات
إرسال تعليق