العرافة
الفصل السابع
كان عثمان في حيرة من أمره.
لم يكن في منزله غرف ضيوف إضافية بالفعل؛ فمنذ أن اشترى هذه الفيلا، لم يخطر بباله يومًا أن يسمح لأي شخص، مهما كانت صلته به، أن يبيت فيها. الجميع هنا كانوا من الخدم، ولكلٍ منهم غرفته الخاصة.
أما سيلا، فلم تكن في مزاج يسمح لها بالكلمات الزائدة.
قالت ببرود وهي تُشيح بوجهها عنه:
"الليل اتأخر... نام بدري أحسن."
لكن كيف له أن ينام، وهو يرى ضيفًا غير مرحب به يقتحم أقدس أماكنه؟
اقترب منها وانحنى قليلًا، صوته كان منخفضًا لكن فيه نبرة حادة:
"طالما هنتشارك السرير من دلوقتي، يبقى لازم نتكلم بصراحة. في الآخر، النوم على سريري ليه تمن."
كان جسده الطويل يحجب نصف ضوء المصباح، وهيبته التي ملأت المكان كأنها كابوسٌ ثقيل يصعب معه التنفس.
سألته وهي تحاول السيطرة على قلقها:
"عن إيه عايز تتكلم؟"
سحب كرسيًا وجلس أمامها بهدوء، شبك ساقيه كمن يستعد لجلسة طويلة، ثم قال:
"أتكلم عنكِ."
ابتسمت بخفة مريرة:
"هو سليم ما بعَتلكش تقرير عني كفاية؟"
هز رأسه بإصرار:
"في حاجات حابب أسمعها منكِ إنتي."
ردّت بسخرية:
"يعني لسه في أسرار معرفتهاش؟"
اقترب منها وجذبها نحوه، ونظرة عينيه كانت أشبه بتهديد صامت:
"أنا مابستحملش يكون في أسرار بيني وبين اللي بينام جنبي."
كانت المسافة بينهما كافية لسماع نبضات القلب، كافية لتُشعرها وكأنها فريسة وُضعت في مرمى الصيد.
ظهر القلق في عينيها، وقالت بصوت شبه هامس:
"أنا مش عارفة إنت عايز تسمع إيه. قلتلك كل اللي أعرفه. ومش هقدر أخبي حتى لو عايزه."
تنهدت، ثم أضافت بتهكم لاذع:
"أنا مجرد بنت ساذجة جاية من قرية فقيرة. أول مرة أدخل فيها فيلا فخمة زي دي كنت مرعوبة. فكّرت ساعتها... يا ترى إزاي حظي خلاني أوصل لسرير ناعم بالشكل ده، ومع راجل زيك؟ وسيم وغني، ومش ناقصك حاجة... وأنا؟ ولا حاجة!"
بينما كانت تواصل حديثها بلغة مشبعة بالمبالغة، رمقها عثمان بنظرة مشوشة.
قالت وهي ترفع حاجبيها بتصنع:
"أنا هادية من برّه، بس من جوه كنت مرعوبة. أنا جاية من قرية محدش يعرف اسمها، أهلها فُقر، وأكلي كان بالكاد بيكفينا. وفجأة لقيت نفسي وسط ناس لابسين شيك وبيتكلموا بثقة وأنا مش لاقية نفسي بينهم."
ثم نظرت إليه بعينين فيها شيء من التحدي:
"تفتكر إني قادرة أقول جملة كاملة قدام واحد زيك؟"
وقبل أن يرد، قاطعته بحدة وهي تمسك بربطة عنقه، تدفعه بخفة إلى الخلف حتى ارتد بجسده على السرير.
ركبت فوقه، وضغطت بركبتها على بطنه، وبدأت في فك أزرار قميصه بسرعة لا تُصدق.
قال مذهولًا وهو عاجز عن الحركة:
"إنتي بتعملي إيه؟!"
ابتسمت بمكر، وكانت الأفعى السوداء الملفوفة حول رقبتها تمنحها مظهرًا خلابًا يخطف الأنفاس.
أصابعها انزلقت على صدره، حتى وصلت لحزامه، وبدأت تفكه بهدوء قاتل.
دقات قلب عثمان تسارعت، والغريزة الذكوريه في داخله بدأت تنهض من سباتها.
همست في أذنه بصوت ساخر:
"يلا نخلّف طفل."
تجمدت ملامحه، وسأل بذهول:
"طفل؟!"
ابتسمت بنعومة:
"ما هو يمكن وجود طفل يكسر الرابطة اللي بينّا... بدل ما نضطر ننام مع بعض كأننا مجبرين، نلاقي حل عملي."
"ولو خايف إن وجود الطفل يأثر على مستقبلك،هاخد الطفل وأخليه يفتكر إن أبوه مات. بسيطة."
صرخ بحدة:
"أنا ما اسمحش إن ابنى يتربى بعيد عنى!"
هزت رأسها وقالت بهدوء:
"ماشي. خُد الطفل انت وربّيه، بما إنك شايف كده الصح."
وأكملت وهي تواصل خلع ملابسه:
"الموضوع خلاص اتفقنا عليه. يلا نبدأ التنفيذ. عشرة شهور ونخلص من السرير ده."
أمسك بيدها قبل أن تتابع:
" مش كفاية كده؟"
سألته وهي تحدّق في عينيه بثبات:
"شايفني بهزر؟"
قال:
"وليه لأ؟"
نظرت إليه من فوقه، وكأنها تقرأ روحه:
"أنا مش فارق معايا اتفاقيات أبوك مع الراجل العجوز. ولا فارق معايا الماضي. أنا واحدة بتحل مشاكلها لحظة ما تحصل. والنهارده في حل قدامي... ليه لأ؟"
احتضن خصرها وسألها بنبرة ساخرة:
"مستعجلة قوي على طفل مني؟"
ردت بتحدي:
"إنتَ اللي خايف إني هأربطك بالطفل؟"
قال بثقة متعجرفة:
"بذري مش متاح لأي واحدة."
ضحكت بسخرية، ثم دفعته عنها بخفة:
"طالما مش عايز تخلف... خلاص، نام. عندي شغل الصبح."
ثم ألقت ربطة عنقه نحو زر الإضاءة، فغرق المكان في ظلام دامس.
استدارت على جنبها ونامت دون كلمة أخرى، تاركة عثمان وسط شعور عجيب يجمع بين الإحباط والارتباك.
كان يشعر وكأنها خصمه الأزلي... لم يجلب له لقاؤهما إلا المتاعب.
لحسن الحظ، كان السرير واسعًا بما يكفي ليبقيا متباعدين.
ظن أنه لن يذوق طعم النوم تلك الليلة.
لكن شيئًا ما في صوت تنفسها الهادئ جعله يهدأ فجأة، وسرعان ما غرق هو الآخر في النوم.
---
عندما فتح عينيه مجددًا، كان نور الفجر يتسلل عبر الستائر.
والمفاجأة؟
كان يحتضن سيلا بين ذراعيه، وهي نائمة كأنها جزء منه.
هو يذكر جيدًا أنه نام بعيدًا عنها، كيف اقتربا هكذا؟
نظر إلى وجهها، فارتجف قلبه.
لم يكن ملاكًا، لكنه لم يتوقع أن يفقد اتزانه بهذه السرعة... لا مع امرأة مثلها.
كانت بشرتها كأنها من حرير، تشع توهجًا ناعمًا، وجهها هادئ كأنه مرسوم بريشة فنان.
مد يده ليلمس وجنتها، لكنها أمسكت بها في الهواء.
نظرت إليه بعينين ناعستين، وسأل:
"صحيتِ إمتى؟"
ردت بنبرة هادئة:
"من أول ما حاولت تتسحب عليا."
ضحك بنفاد صبر:
"هو أنا كنت هموتك يعني؟"
قالت بجدية وهي تنظر له بتركيز:
"مين عارف؟ يمكن لو متّ، الرباط اللي بينا يتفك لوحده."
صمت لبرهة، ثم قال بنبرة عميقة:
"السيد داوود قال : لما القدر جمع بينا، بقينا نشترك في الحياه والموت ."
نظر إلى عينيها مباشرة وأضاف:
"أتمنى إنك تعتبرى الكلام ده حقيقة."
كانت سيلا على وشك تقوم من عالسّرير لما حسّت بإيده بتشدّ على دراعها فجأة.
لمعت الحذر في عنيها، وبصوت بارد سألته:
"بتعمل إيه؟"
رد بهدوء، لكن نظرته كان فيها حاجة تانية:
"اقتراحك من إمبارح... لسه قائم؟"
غمزت بتعبيرات وجهها كأنها مش فاكرة،
"اقتراح إيه؟"
"اللي يخص... طفل."
سحبت دراعها من إيده، ولفّت جسمها بروب حرير ناعم، وبنظرة شبه متحدّية قالت:
"أنا مش كريمه كفاية علشان أحمل لك طفل."
وبمنتهى البرود، دخلت الحمّام وسابت الباب يتقفل وراها في وشه.
لما الباب اتقفل، عثمان انفجر ضحك فجأة.
هي صغيرة، لكن ردود أفعالها فيها نار. واضح إنها كانت زعلانة بجد.
علشان ما يلفتوش نظر الخدم إن في حاجة غريبة بينهم، الاتنين التزموا الصمت وقت الفطار كأن بينهم اتفاق صامت.
قبل ما تنتقل سيلا للفيلا، سليم قال للخدم إنها قريبة بعيدة من عثمان باشا، وجاية تقعد عندهم مؤقتًا.
وأمرهم يراعوها كويس، ومن غير أي فضول.
لكن منى، كانت بترائب كل حاجة من ورا ، وعينها كانت واخدة بالها من كل تفصيلة.
بصت لهم باستغراب، ملاحظتش أي تفاعل بين عثمان وسيلا ولا حتى كلمة.
فـ قالت لنفسها:
"واضح إن قريبته مش عاجباه خالص."
بالرغم من إن عايلةزهران عندها ثروة متورّثة من قرون، وكان صعب تخلص حتى لو عاشوا ميت سنة، دايمًا بيظهر كام قريب فقير يحاول ياخد حتة من التورتة.
سيلا كانت فاكرة إن جمالها هايشد انتباه عثمان... غبيه اووى!
وهما قاعدين، منىقدمت طبق البيض وقالت بنبرة هادية:
"الآنسة جنى كلمت من نص ساعة، قالت إنها ضيّعت حلق إمبارح... يمكن سابته في عربيتك. وبتسأل لو تقدر تبص عليه لما تفضى."
بص عثمان أوتوماتيك ناحية سيلا.
كانت ماسكة موبايلها وبتقلب في الأخبار، كأنها مش سامعة.
بإشارة خفيفة من إيده، فهمت منى إنه سمع وخلاص.
رجع بصّ على سيلا، بس هي كانت مشغولة بموبايلها، ولا على بالها.
كتم تنهيدة، وسأل فجأة:
"رايحة فين بعد كده؟"
من غير ما ترفع عنيها حتى:
"الجامعة."
"سمعت إنك بتدرسي بيولوجيا في ايجه."
"هممم."
"تخصص في إيه تحديدًا؟"
"الصيدلة."
اهتم أكتر، وقال:
"صيدلة حديثة؟"
رفعت عينيها وبصّت له بنظرة مستقيمة:
"شايفه مجال غريب؟"
"كنت فاكرك بتميلي أكتر بالأعشاب الطبية."
هو كان فاكرها من الفيديو المشوّش المنتشر على الإنترنت.
رغم إن الصورة مش واضحة، لكن كان متأكد إن سيلا هي البنت المقنّعة اللي أنقذت الراجل في Le Mirage.
عيلة الجارحى طلعت بيان لمكافأة المنقذ، لكن فجأة سحبوه.
سيلا، من غير لفّ ودوران، فهمت قصده وقالت:
"بتفكر إن اللي في الفيديو... أنا؟"
رد، وعينيه فيها تحدي:
"مش كده؟"
أومأت بهدوء:
"أيوه، أنا."
اتصدم عثمان، مكنش متوقّع تعترف كده بسهولة.
"انتي تعرفي توخزي بالإبر؟"
ابتسمت، وخدت بيضة بشوكتها ورفعتها لبقها.
"اشتغلت شغل صيفي في مركز مساج زمان، قريب من بيتنا.
مش بس بعرف الوخز، كمان بعرف أعمل تدليك كويس. يمكن في يوم أفرّجك على مهاراتي."
وهي بتاكل، خديها كانوا منفوخين كأنها هامستر.
ضحك عثمان وقال:
"ماشي... نجرب الليلة."
بلعت البيضة، ورفعت إيدها قدامه بخمس صوابع.
"بس خلي بالك... الخدمة مش ببلاش."
رفع حواجبه، مستغرب:
"خمسة آلاف؟"
هزّت راسها:
"خمسين. ده سعرنا في الصالون. ولو عايز خصم، ممكن أعمل لك خصم ٢٠٪، بس أكتر من كده لا."
مقدرتش يمنع ضحكته، اتنفض وشه وهو بيسمع الرقم.
هو، عثمان زهران اللي مفيش حد يقدر يقولّه لأ، بيفاوض دلوقتي على مساج؟!
كانت بتمتحن أعصابه، ومبسوطة باللعبة دي.
وبعد ما خلصت حليبها، مسحت طرف شفايفها وقالت:
"الوقت بيجري، لازم أمشي."
"استني!"
وقفها عثمان قبل ما توصل للباب.
لفّت له، ووشّها فيه استغراب.
كان ناوي يعرض يوصلها، بس غير رأيه في آخر لحظة:
"ما تنسيش اتفاقنا."
ردّت، ونبرتها جامدة:
"ما تقلقش. أول ما أعدّي الباب ده، هنرجع غربا تاني."
وخرجت، سابته واقف في سكوته.
بعد خمس دقايق، دخل سليم على الفيلا، باين عليه الانفعال.
"عثمان باشا، الآنسة سيلا هنا؟"
رفع عثمان عينه، لاحظ توتره:
"فيه إيه؟"
سليم حاول يهدى نفسه، طلع كيس بلاستيك صغير من جيبه، نصه رماد.
"ده إيه؟" سأله عثمان.
"أمبارح بالليل، بعد موصلت الانسه سيلا هنا ، إدّتني ورقة مطوية قبل ما أروح.
النهارده، "وأنا سايق، حسّيت بحرقة في جيبي وقفت بصيت، لقيت الورقة دي اتحولت رماد."
،
أشار بيده على صدره، في المكان اللي اتحرق فيه الجاكيت.
بعد دقيقتين بس، انفجرت عربية نقل وقود في نفس المكان اللي كنت فيه.
مات ٧ أشخاص في لحظة.
لو ما كنتش وقفت... كنت هبقى أنا التامن."
كان صعب عليه يصدق، بس جواه كان حاسس إن الورقة دي مش عادية.
"تفتكر إن الورقة اللي إدّتها لك سيلا... أنقذتك؟" سأل عثمان.
"مش متأكد، بس الورقة كانت في جيبي من إمبارح.
ولو ما كانش فيه ألم، مكنتش هقف.
ولو ما وقفتش، كنت موت."
أخد عثمان الكيس، بص فيه، كل اللي شافه رماد.
"كنت تعرف إيه اللي مكتوب فيها؟"
هزّ سليم راسه:
"لا، بس أعرف القلم اللي استخدمته.
القلم الدوار اللي دايمًا بتلعب بيه.
الغريب إن في La Nuit Rouge كانت بتكتب بيه أسود، بس لما استخدمته في الورقة دي... الخط كان أحمر."
عثمان استغرب أكتر.
طلب من سليم يشغّل كاميرات الفيلا، ويرجّع التسجيل لليل إمبارح.
في الفيديو، سليم كان بيشرح لسيلا أوضاع الفيلا.
هي كانت بتسمعه باهتمام، وشكرته بلطف.
قبل ما يخرج، وقّفته، وطلعت ورقة من جيبها، ورسمت عليها رمز غريب بالقلم.
كبر سليم الشاشة عدة مرات، وركز بعينيه ليحصل على نظرة أوضح لما كانت ترسمه سيلا. الخطوط المتقاطعة، الدوائر، والرموز الدقيقة التي لا تخطئها عين طاويّ؛ بدت وكأنها تميمة مخفية بين الأنماط.
اللون الزنجفري، الذي خرج من دوران قلمها، لم يكن عاديًا، بل كان لونًا خاصًا لا يستخدمه إلا أبناء الطاويين.
تبادل كلاهما النظرات مطولًا، كأن الزمن قد توقف بينهما، قبل أن يجد سليم صوته أخيرًا.
- "هي... هي الهدية اللي ادتهالى الآنسة سيلا أنقذت حياتي فعلًا؟"
لو لم يكن قد عاش تلك اللحظة، ما كان ليُصدقها. ما كان ليُصدق أن مجرد تميمة تُحدث فرقًا بين الحياة والموت.
وإن قال غير ذلك، فهو كاذب. لم يكن ليتخيل أن فتاة في أوائل العشرينات، بمظهرها الهادئ، تخبئ خلفه تلك القوة التي لا توصف.
تجاهل عثمان نظراته، وواصلت مشاهدة الفيديو.
كانت سيلا تتحرك ببساطة، ببرود كأنها لا تدرك أن كرة الشبح التي كانت تلامس طرف إصبعها، قادرة على قلب العالم.
كانت فقط ترسم تميمة في الليلة السابقة. لم تكن تعرف أن فعلها العابر هذا، سيثير ضجة لا تهدأ.
.......
ولكي يمنعها عمران من تكرار الغياب المتكرر كما حدث العام الماضي، أنشأ لها نظام حضور صارم، لا يقبل الأعذار ولا الاستثناءات.
فما كان من سيلا إلا أن استسلمت للأمر الواقع.
إما أن تحضر، أو يتحول عمران إلى خصم لا يُرحم.
مع نهاية أول محاضرة في اليوم، اقترب جاسر منها بخفة، وسحبها إلى زاوية بعيدة من الحرم الجامعي.
- "عندي خبر نار. تحبّي تعرفيه؟"
نظرت له سيلا بنصف ابتسامة.
- "هتعلن إنت وسالي عن خطوبتكوا؟"
كررت كلامها وهي بتراقب ملامحه:
- "هو ده الخبر؟ إعلان رسمي لعلاقتكم؟"
زفر جاسر بنفاد صبر، وظهر الاشمئزاز في نبرته:
- "إنتي شايفاني راجل مجنون للدرجة دي؟"
- "أنا مش بهزر، في إشاعة بتقول إنكم بتتواعدوا فى السر."
بالمقارنة مع وجه جنى المعدل بالكامل، كان وجه سالي طبيعي وجميل بشكل لافت.
وده خلّاها تكسب لقب "ملكة جمال ايجه" بلا منافس.
جاسر رد وهو بيقلب عينه:
- "هي مجرد زميلة. بس الناس بتحب تولّع."
في البداية، لما دخل جاسر الجامعة، كان شايف سالي جذابة فعلًا.
بس مع الوقت، فهم إنها بتلعب لعبة مزدوجة مع الرجالة اللي بيجروا وراها.
تستقبل الهدايا، تبتسم ابتسامة سطحية، وتحافظ على صورتها كأنها " ملاك صعب توصله ".
بما إنهم كانوا في مجلس الطلبة مع بعض، وبيشتغلوا سوا على فعاليات الجامعة، بدأ الناس يصدقوا إنهم مرتبطين.
وسالي ما أنكرتش ده، بالعكس، سابت الشائعة تنتشر.
ولأن عيلتها، عايلة زهران، ليها نفوذ كبير في ازمير، جاسر ما كانش يقدر يحرجها قدام الكل.
- "بس يا سيلا، الظاهر إنك ما شوفتيش المنتدى الجامعي مؤخرًا... سالي ما بقتش أجمل واحدة في الحرم السنة دي."
رفعت سيلا حاجبها:
- "طب قولي مين؟ نفسي أعرف."
- "إنتي."
تجمدت للحظة، قبل ما ترد بصوت بارد:
- "نكتة بايخه أوي، ."
- "أنا مش بهزر. الناس شايفة الحقيقة، حتى لو سالي اشترت التصويتات كلها، ده مش هيغير الواقع."
فضلت سيلا صامتة. وبنبرة باردة، سألت:
- "هو ده الخبر الخطير اللي كنت مستني تقولهولي؟"
ابتسم جاسر بحرج:
- "هو كان المفروض يبقى مفاجأة... بس نسيت نفسي وسط الكلام."
سكت شوية، وبعدين قال:
- "سمعتي عن مشروع الخالد؟"
فجأة، نبرة سيلا تغيرت:
- "تقصد الحادثة اللي حصلت من ٣ سنين؟"
عيونه لمعت:
- "بالضبط. المشروع اللي شارك فيه ١٨ واحد. كان قرب ينجح... بس انفجار كبير دمّر كل حاجة وماتوا كلهم"
- " ايوه ماتوا كلهم. وكل البيانات اتمسحت، والمشروع اتقفل."
سيلا كانت عارفة كل ده. كانت في قلب مجال علم الوراثة، وكانت متابعة تفاصيل مشروع الخلود لحظة بلحظة.
مشروع بيحاول يخلق حياة أبدية من خلال تعديل الجينات.
النتيجة؟ إذا نجح، هيخلي أصحاب المليارات يعيشوا إلى الأبد.
مين يقدر يقاوم حلم زي ده؟
- "بس ليه بتفتح الموضوع دلوقتي؟"
خفض جاسر صوته:
- "رغم إن المعمل اتفجر، المنتج شبه النهائي لسه موجود. وهيتعرض في مزاد خاص في رحلة بحرية الأسبوع ده."
سيلا فركت ذقنها بتفكير:
- "إنت متأكد؟ مش إشاعة جديدة من اللي بتطلع كل سنة؟"
- "أنا مش هاجيبلِك حاجة من غير مصدر. الدعوات للمزاد محدودة، ومينفعش حد يركب الرحلة إلا لو اسمه موجود في القائمة."
---
في حمام الجامعة، كانت سيلا واقفة قدام المراية، بتفكر في اللي قاله جاسر.
لو المنتج ده حقيقي، هيبقى ضربة مدوية في عالم الجينات.
لكن وسط السكون، وصلها صوت بنات من برّة الحمّام.
- "إنتي سمعتي؟ بيقولوا إن سيلا عشيقه راجل غني."
- "كانت في بلو باي، صح؟ باين إن الراجل بيصرف عليها كويس."
- "شكلها حلو، بس ما يمنعش إنها واحدة قليلة الأدب... ما جاتش الجامعة ترم كامل. أكيد كانت حامل في ولاده."
ضحك البنات علي بعض، وسيلا بتسمع الكلام زي جمر بيولع تحت جلدها.
دفعت باب الحمّام بقوة. الصوت خضّ البنات، وكلهم شهقوا.
مشت ناحيتهم بهدوء قاتل:
- "ممكن تعيدي اللي قولتيه تاني، قدامي؟"
حاولت واحدة منهم ترفع رأسها بتماسك:
- "حتى لو قولته عشر مرات، إيه اللي هيغيّر الحقيقة؟ إنتي فعلاً عشيقه ."
- "ما فيش دخان من غير نار. ليه ما جيتيش الجامعة السنة اللي فاتت؟ قالوا إنك كنتي مريضة، بس الحقيقة إنك كنتي في بلو باى حامل فى طفل !"
أومأت اتنين تانيين، وكملوا:
- "المدير ساعدك، صح؟ أكيد اللي معاكي دفعله مقابل يسكت."
سيلا وقفت لحظة، وبعدين مسكت بنت منهم من الياقة، ورفعتها شوية:
- "مين اللي لفّق الشائعات دي؟ قوليلي دلوقتي."
البنت صرخت:
- "سيبيني! مش قادرة أتنفس!"
- "قولّيلي، مين؟"
وشها اتبدل، والدنيا اسودّت في عينيها:
- "في حد نشر الكلام ده على موقع الجامعة! لقينا بوستات، صور، وحكايات..."
لم تتوقّع الفتاتان الأخريان أن تكون سيلا بهذه الحدّة، ولا أن يخرج الغضب من عينيها بهذا الشكل القاطع. سارعَتا بإخراج هواتفهما، سلّمتاها لها طوعًا، وأظهرتا محتوى الشاشة دون نقاش.
كان المنشور قد انتشر كالنار في الهشيم. كشف أحد مستخدمي الإنترنت، مجهول الهوية، عن أن سيلا كانت تُحتجز في ماضٍ مظلم كـ"عشيقه "، وأرفق صورة خفية زعم أنها دليل.
كانت خلفية الصورة سماءً ليليةً معتمة، غير واضحة المعالم.
بدت الخلفية ضبابية، كما لو أن من التقطها تعمّد إخفاء التفاصيل. غير أن ملامح سيلا لم تخطئها العين: ترتدي قبعة بيسبول، وتحمل حقيبة سفر، تمشي في أحد أحياء "بلو باي فيلا".
و"بلو باي فيلا" لم تكن حيًّا عاديًا، بل كانت تُعَدّ جنةً خفية للنخبة؛ مكانًا لا يمكن لمعظم الأثرياء تحمّل كلفته، مهما بلغ طموحهم.
رغم الشائعات التي تربط سيلا بكونها الوريثة المفقودة لعائلة "التهامى"، فإن اسم "التهامى" نفسه، بكل ثقله في ازمير، لم يكن يومًا ندًّا لأسماء ملاك "بلو باي فيلا".
والأدهى من ذلك، أن خلاف سيلا مع عائلتها لم يكن سرًا. الج
ميع في الجامعة يعرف ذلك منذ أول يوم دراسي.
فما الذي يدفع فتاة مثلها للظهور في ذلك المكان الفاخر، في هذا الوقت المتأخر من الليل، وهي تجرّ حقيبة سفر؟
اكتفى المجهول بالصورة، وترك لخياله أن ينسج قصّة مُبتذلة عن فتاة جامعية عشيقه لأحد الأثرياء.
لكن مَن يعرف سيلا، يعرف أنها ليست هدفًا سهلًا. اسم ZERO في عالم القرصنة لم يُبنَ من فراغ.
ظنّ المُطلِق المجهول أن التخفي كافٍ ليُنشر الاشاعات دون عقاب. لم يدرك أنه أثار سُخط من لا ترحم.
✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
تفتكروا مين ال نشر الاشاعه 🤔🤔🤔
استمتعوا بالفصل ❣️ 🔥 🔥

تعليقات
إرسال تعليق