العرافة





 الفصل السادس 

وصلوا إلى فيلا بلو باي، ودخلت سيلا منزل عثمان لأول مرة، الذي كان يعكس فخامة وثروة فى كل مكان داخل وخارج الفلا .


استقبلتهم خادمتان عند الباب؛ واحدة تُدعى منى، مسؤولة الشاي، والأخرى نهى، مسؤولة الطعام.


قدّم سليم سيلا لهما وقال:

- «دي الآنسة سيلا، ضيفة عثمان باشا هتعقد هنا شوية. ياريت طلباتها تبقى مجابه.»


أومأت الخادمتان بالتحية، لكن سيلا لاحظت نظرة منى الحادة، كأنها بتحاول تعرف هى مين أو ايه علاقتها بعثمان باشا ولكن هاله سيلا وقوتها خلتها تنزل عينها عنها .


لوّح سليم للخادمات وقال:

- «روحوا شوفوا شغلكم، وأنا هأشرح للآنسة الفيلا.»


---


بدأ سليم يعرفها على الفيلا، قائلاً:

- «الدور الأول غرفة ليفينج. الدور التاني فيه غرف ضيوف ومكتب. أما الطابق التالت، فهو منطقة محظورة، ده المكان اللي بيستريح فيه عثمان باشا .»


تابع سليم :

- «الفيلا فيها 10 خادمين. غير الاتنين اللي قابلتيهم، باقي الخدم قليلًا ما بيدخلوا الفيلا.»


ثم أضاف:

- «أنا قولت الخدم قبل ما تجي إنك قريبة بعيدة لاعثمان باشا وإنك هتقعدي هنا مؤقتًا.»


بعد أن فرغ سليم من عرض شرح الفيلا ، أضاف بصوتٍ هادئ يحمل نبرة الاطمئنان:

"الغرفة اللي طلبتيها للدراسة جاهزة، هي تالت غرفة على اليمين في الدور التاني."


كان ذلك الشرط الوحيد الذي وضعته سيلا حين اقترح عثمان أن يسكنا معًا. لم تكن تطلب الكثير، فقط غرفه خاصة بها، بعيدًا عن أعين الناس.


تحقق سليم من ساعته وقال بنبرة رسمية:

"عثمان باشا عنده عزومة عشاء النهارده، وهيتأخر جدًا. لو احتجتي أي حاجة، قولي للخدامة."


لقد أعطاها سليم تفاصيل كتير لكل حاجه خوفًا من أي إهمال أو قصور في اى حاجه .


ورغم مظهرها البسيط، كانت سيلا تملك هالة غريبة، مزيج من الغموض والهيبة.

بنت من الريف، صحيح، لكن حضورها كان يفرض الاحترام كأنها من عائلة نبيلة.


تذكر سليم ما فعلته مع عائلة التهامى، وكيف انتقمت منهم بخطة محكمة، فلم يستطع إلا أن يُعجب بذكائها وهدوئها.

لم تكن مشاعره نحوها عاطفية، بل أقرب إلى الاحترام والتقدير.


نظرت إليه سيلا بعينين صادقتين، وقالت بهدوء:

"شكرًا على مساعدتك النهاردة."


ابتسم سليم ورد بسرعة:

"ده أقل واجب. أنا لازم أمشي دلوقتي، لو احتجتي حاجة، كلّمي الخدامة أو كلمنى على طول."


وقبل أن يهم بالرحيل، استوقفته:

"استنى لحظة."


أخرجت قلمًا خاصًا من حقيبتها، قلم تعرفه جيدًا، دائمًا ما تحمله معها. وبسرعة، بدأت ترسم شيئًا ما على ورقة ملاحظات صغيرة.


كان سليم واقفًا بعيدًا فلم يرَ بوضوح ما رسمته، لكن ما لفت انتباهه أن الحبر كان أحمر... على غير عادتها. عندما رأى توقيعها بلون أسود في La Nuit Rouge


قبل أن يسأل، كانت قد مزقت الورقة، وطوتها بشكل معقد، ثم وضعتها في جيبه برفق.


قالت بابتسامة خفيفة:

"عشان خصصت وقتك وساعدتني النهاردة، اعتبر دي هدية بسيطة. خليك محتفظ بيها، بس أوعى تفتحها أو تبص جواها."


وربّتت على جيبه بهدوء:

"وخلي بالك وانت ماشي."


رحل سليم،

بعد نصف ساعة، داخل الفيلا. الجو كان يشع بالفخامة والهدوء. وكل خطوة كانت تثبت أن المكان أكثر من مجرد بيت، بل هو عالم خاص بحد ذاته. ووقفت سيلا تتأمل غرفة ليفينج. فخمة بشكل مبالغ فيه، لكن بلا روح. لا شيء مميز سوى كرة عاجية موضوعة في الزاوية، تصميمها كان متقنًا وعتيقًا.


مدّت يدها لتلمسها، لكنها سمعت صوتًا باردًا خلف أذنها:


"دي كرة الأشباح، هدية من صديق عثمان باشا. تِمنها مليون دولار، فلو كسرتيها... ماعتقدش إنكِ تقدري تدفعي تمنها، يا آنسة سيلا."


التفتت لتجد منى واقفة، نظرتها مليئة بالكره.


شعرت سيلا بشيء خفي في نبرة منى، عداوة مبطّنة. لم تكن تعرف السبب، لكنها شعرت بها.


وبهدوء، التقطت الكرة الثمينة وبدأت تلعب بها بين أصابعها، ثم قالت بنبرة ساخرة:

"مليون دولار على كره بس؟ اللي اشتراها أكيد اتضحك عليه."


رفعت الكرة على طرف إصبعها، وأخذت تديرها كأنها تلعب كرة سلة. تجمّد وجه منى من الخوف.


كرة الأشباح كانت قطعة فنية نادرة، كل طبقة فيها محفورة بتقنية توشك على الاندثار.


لم تكن سيلا تفتقر للجرأة.


كانت منى، من داخلها، تكرهها بشدة.

هي، التي عاشت عمرها في أعلى طبقات الثراء في ازمير، لم تتقبل وجود فتاة ريفية بسيطة في فيلا زهران.


ملابس سيلا، أحذيتها، كل شيء فيها كان يبدو رخيصًا.

"لو كان فعلاً مهتم بيها، مكانش تجاهلها يوم ما نقلت الفيلا!" فكرت منى بسخرية.


لكن سيلا لم تكن تعلم شيئًا عن هذه الهواجس.

وضعت الكرة مكانها بإهمال، وكأنها لا تُعير الملايين اهتمامًا.


ثم صعدت إلى غرفتها الجديدة، الغرفة التي جهزها سليم خصيصًا لها.

مساحتها واسعة، ومزودة بكل ما تحتاجه، لكنها ستتحول قريبًا إلى قلعة محصنة.


بدأت العمل فورًا.


ركّبت كاميرات مراقبة على أعلى مستوى.

علّقت تعويذات وقائية في الزوايا، وأعدّت واحدة خاصة للحماية من السرقة.


أي شخص غيرها يحاول يدخل؟ التعويذة هتشتغل فورًا.


وحين انتهت، أخرجت دفتر ملاحظاتها السري.


ما إن فتحته، حتى ظهرت نافذة أخبار منبثقة على الشاشة أمامها.


> "فريق التجميل الطبي التابع لمجموعة الجمال يعلن عن منتج ثوري سيُحدث طفرة في عالم العناية بالبشرة."


تصلبت ملامح سيلا.


رأت اسم الجمال، ولمع في عينيها أثر للغضب.


قرأت الخبر بسرعة:


بعد سنوات من البحث، توصل الفريق إلى منتج بإمكانه جعل أي امرأة تبدو أصغر بعشر أو حتى عشرين عامًا.


الإنترنت انفجر. في أقل من عشر دقايق، آلاف التعليقات غزت المواقع.


لكن سيلا كانت تبتسم بسخرية.


رن هاتفها. كان المتصل ماجد.


"سيلا، إنتي مش في البيت؟ أنا واقف على بابك، جايب فراخ مشويه، ومفيش رد!"


"أنا في بيت صديق. في شوية مشاكل صغيرة، واضطريت أغيّر مكاني مؤقتًا."


سأل ماجد بقلق:

" عائله التهامى هما السبب؟ بيت مين؟ راجل ولا ست؟ ينفع يتوثق فيهم؟

أنا عندي تلات شقق فاضية: واحدة في وسط المدينة، واحدة في الضواحي، وواحدة على البحر..."


قاطعته وهي تحدّق في شاشة اللابتوب:

"شفت التريند رقم واحد النهاردة؟ خبر مجموعة الجمال؟"


قال بفضول:

"أيوه! بعد الإعلان ده، سهم الجمال هيطير فوق أكيد. ليه بتسألي؟"


فتحت نافذة على الشاشة، وأظهرت له قائمة المنتجات.


"كريم وش بـ٣٩٠٠ دولار؟ وكريم عين بـ١٢٠٠٠؟ ده جنون!"


ضحك وقال:

"انتي كأنك بتشككي في منتج طوّرته عيلة الجمال؟"


ردت بهدوء:

"أنا مش متفائلة خالص."


ماجد حسّ بنبرة السخرية في صوتها، وقال لها محذرًا:

"خدي بالك يا سيلا... عيلة الجمال مش ناس عاديين. دول من التلات أباطرة الكبار في ازمير، جنب عيلة الصقر والرشيدى. ولو حد يقدر يواجههم... فهو زهران.

زهران اللي كنتي على وشك تعملي معاه مصيبة في آخر مرة."


ثم سمعته يغلق باب العربية ويقول بفضول أكبر:

"هو انتي ناوية تعملي إيه؟ الموضوع ليه علاقة بعايلة الجمال؟"


عجزت "سيلا" عن النطق، كأن الكلمات جمدت في حلقها عندما سمعت ما قاله "ماجد".


هل ينبغي لها أن تخبره بأنها تعيش حاليًا بين أفراد عائلة زهران نفسها؟ العائلة التي لطالما كان يحذر منها ويتحدث عنها بحذر شديد؟


ولغرس بذرة من الحكمة في عقلها سكتت، تابع "ماجد" بنبرة هادئة:

ـ "بصي، عايلة زهران ماسكة الحكم بقالها أكتر من قرن، والقوة بتاعتهم مش بالشكل السطحي اللي الناس شايفاه... الوضع في ازمير اتغير تمامًا من ساعة ما عثمان مسك الدفّة، وده له علاقة بقصة حب قديمة بينه وبين ملكة جمال ازمير، زمان."


انتبه "ماجد" فجأة إلى انحرافه عن مسار الحديث، فعاد بسرعة إلى صلب الموضوع.

ـ "ازمير دلوقتي بقت ساحة نفوذ كبيرة، كل عائلة فيها بتتشارك مع مجموعات مصالح ضخمة. سيلا، خدي نصيحتي... قبل ما تعملي أي خطوة، كلميني الأول."


تلقّت "سيلا" نصيحته بنيّة حسنة، وأغلقت الهاتف بهدوء، ثم جلست أمام شاشة الكمبيوتر، ذاهلة، ساكنة.


كانت كلمات "ماجد" تتردد في أذنيها كصدى بعيد...

هل كان بين "عثمان" و"جاسمين" علاقة حب فعلًا؟


كان مقربًا من "جاسمين" و"جنى"... ويبدو أن قصته العاطفية كانت أكثر تشعبًا وغموضًا مما كانت تظن.


لكن "سيلا" لم تقضِ وقتًا كافيًا مع "عثمان" لتفهمه...

بدلًا من التعمق في المشاعر، قررت استخدام ما تُتقنه: مهاراتها الإلكترونية.


فتحت أنظمة تسجيل البلدية وحاولت التسلل إليها.

كانت غايتها واضحة: ذلك الرجل العجوز الحقير لا يملك الحق في التحكم بمستقبلها من خلال ورقة زواج! همم... مهما حاول، ستبقى خارجة عن طوعه.


"رابطة الجواز؟! هى ال هتحكمنى!"

ابتسمت بخبث. فقد كانت "زيرو"، أشهر هاكر في العالم السفلي الرقمي.


قلة فقط يعلمون أن "سيلا" و"زيرو" هما الشخص ذاته.


وحتى "جنى"، بخبراتها الجوائزية، لم تستطع التغلب عليها في ساحة القراصنه.


وما إن تنجح في اختراق نظام الزواج وفرض الطلاق من "عثمان"، فربما تنكسر الرابطة من تلقاء نفسها.


لكن وقبل أن تكتب السطر الأخير من الشيفرة... اسودّت الشاشة فجأة، ثم تصاعد منها دخان كثيف.


حدقت في الفراغ بصدمة، قبل أن تنفجر قائلة:

ـ "إنت عديم الرحمة فعلًا، يا عجوز! عارف إنّي مش هقدر أقطع رابطتي بنفسى، بس مستمتع تعذبني، صح؟"


وهي في قمة غضبها، فوجئت بثعبان اسود، دمه كأنه من جليد، ولسانه مشقوق، يندفع نحوها وفمه مفتوح كأنما يبتلع العالم.


رمشت بعينيها بدهشة، وهي تحدّق فيه، بين خوف وفضول...


---


في ذات الوقت، وفي صالة "La Nuit Rouge"، كان "عثمان" شارد الذهن، يرمق أصدقاءه وهم يحتسون النبيذ ويتبادلون الأحاديث، دون أن يشاركهم بحديث أو ابتسامة.


جلس إلى جانبه "الياس الرشيدى"، أحد أبناء العائلات الثلاث الكبرى، والأب الروحي لعالم الترفيه في ازمير. كان فطنًا، يقرأ ما بين السطور، ويُعد حجر الأساس في دائره "عثمان".


وكان "الياس" هو من رتب قعده الشراب اليوم.


لم يكن "عثمان" في حالته الطبيعية منذ دخوله.


قبل دقائق فقط، وصله خبر من "سليم" أن "سيلا" قد حزمت حقائبها وانتقلت لتعيش معه في بيته.


بدءًا من تلك الليلة... سيشارك سريره مع امرأة لا يعرفها ولا يحبها.


"عثمان، هو مش القاتل اللي قتل والدك اتحاكم؟ انت ليه لسه شكلك كده؟!"

قالها "عمر يلماز"، أحد أصدقائه المقربين، بنبرة تمزج بين القلق والسخرية.


قبل سنوات، كانت عائلة "يلماز" متربعة على عرش النفوذ في ازمير، بفضل الجد المؤسس الذي صنع لهم مجدًا لا يُضاهى.


لكن بزواله، خفت نجم العائلة، وأصبحت أقل بريقًا.


وكان "عمر" هو الربّان الجديد، الذي يقود السفينة بخطًى حذرة، محاولًا إعادة الأمجاد.


ملأ "عمر" كأس "عثمان" بالنبيذ بهدوء وسأله:

ـ "الدنيا كويسه في البيت؟"


رفع "عثمان" كأسه ليرتطم بخفة بكأس عمر، وقال:

ـ "الموضوع مش عائلي."


"عماد"، الذي سمّم سائقه لقتل والديه، انتهى به الأمر في السجن، حيث سيقضي ما تبقى من عمره.


لكن رغم ذلك، لم يشعر "عثمان" بالرضا الكامل.

كان يريد لعماد يعاني أكثر، أن يذوق الألم كما فعل هو.


لم يُكمل "عمر" الحديث، بل غيّر دفته:

ـ "سمعت إنك وقّعت مع جنى... هو علشان الأرض؟ ولا البت عجبتك؟"


رد "عثمان" بهدوء:

ـ "إنت بتحلل الموضوع أكتر من اللازم."


رفع "عمر" كأسه وشربه دفعة واحدة، ثم قال:

ـ "عيون جنى شبه عيون...ها . مصدّقش انك قربت منها من غير مشاعر."


شدّ "عثمان" على الكأس في يده، كأن الكلمة التي أراد قولها ابتلعتها المرارة.


قاطعهما "اركان تاش" الذي كان يتحدث مع "الياس"، وقال بنبرة تحليلية:

ـ "مرض رجل السيدة زهران صعب. علشان نلاقي الدكتور جوست، لازم نسلك طرق تانية. يعني... نخترق."


كان "اركان" عسكريًا سابقًا، حاسمًا وعمليًا.

ظاهريًا، بدا "الياس" هو مركز الدائرة الاجتماعية، لكن الحقيقة... "عثمان" كان هو العقل المدبّر.


سأل "الياس":

ـ "جنى ماقدرتش تعقّب الدكتور جوست؟ حتى بأساليب الهاكرز بتاعتها؟"


كل الموجودين كانوا يعرفوا حجم الكارثة اللي أصابت عائلة "عثمان".


حادث مريع، فقد فيه والده، وجعل أمه قعيدة على كرسي متحرك.


ورغم أن الطب أعلن أن رجليها لن تعودا لحركتهما، كان "عثمان" متمسكًا بالأمل.


قيل إن هناك رجلًا يُدعى "الدكتور جوست"، يستطيع علاج المستحيل بثلاث عشرة إبرة فضية.


لكن لا أحد رآه، ولا أحد يعرف مَن هو.


قال "عثمان" بصوت خافت:

ـ "أنا حاسس إن الدكتور جوست مش موجود أصلًا... مجرد أسطورة."


وافقه "عمر":

ـ "دورنا كتير، ومفيش دليل. غالبًا الناس ألفوا القصة وصدقوها."


سأل "اركان" فجأة:

ـ "عثمان، سمعت عن الإمبراطور ك؟"


اهتم "عمر" بالسؤال:

ـ "اللي أسّس شبكة ك  نت؟"


ضحك "الياس":

ـ "هو والدكتور جوست الاتنين شبه بعض... شخصيات أسطورية، ملهاش وجود."


دافع اركان عن نفسه بنبرة خفيفة، وكأنه يكشف عن سرّ دفين:

"مش متأكد إذا كان في دكتور جوست فعلًا، بس الإمبراطور ك... ده موجود، وكلنا نعرف ادم يلدريم ، مش كده؟"


رفع عثمان حاجبيه بدهشة.

"الراجل المهرج ده اللي في طايفة السحر؟"


لطالما كانت العلاقة بين الأرستقراطية والسحر  علاقة متبادلة، ممتدة لقرون.

فالسيد داوود، الذي تخطى عمره المئة، كان عرّاف جلال زهران المقرّب أيام شبابه.


ومع تقادم الزمن، انقسمت طائفة السحر إلى فروع متعددة، ومع تقدُّم سنّه، بدا أن داوود يقترب من التقاعد بصمت.

أما ادم، فكان نجمًا شابًا يصعد بسرعة في سماء الطائفة، وقد حجز لنفسه مكانة لا يُستهان بها في ازمير.


قال اركان بهدوء:

"في لحظة فضول، الإمبراطور ك أسّس شبكة اسمها 'كي نت'... هدفها الرئيسي إنها تساعد الناس في حل مشاكلهم، مقابل أجر طبعًا."


ثم أضاف وهو يحدّق في عثمان:

"وادم كان أول عميل لها. يعني لو عرفنا مكان ادم، ممكن نوصل بشكل غير مباشر للإمبراطور ك، صح؟"


كان في كلمات اركان بصيص أمل التقطه عثمان على الفور.

فلو تمكنوا من الوصول للدكتور جوست عن طريق غير مباشر، فلن يمانع أبدًا في سلوك ذلك الطريق.


"اركان، تقدر تتواصل مع ادم؟"


ربّت اركان على كتف عثمان مطمئنًا.

"سيبها عليّا، هظبطلك معاد معاه قريب."


وقبل أن يُختتم الاجتماع، اختلق عثمان عذرًا وغادر بهدوء.

نظر إلى ساعته، كانت العاشرة والنصف مساءً.

وبمجرد خروجه، فوجئ بأن المطر يهطل بغزارة، يتخلله الرعد والبرق، كأن السماء تُفرغ همًّا دفينًا.


كان زين، حارسه الشخصي، ينتظره على مقربة. فتح له مظلّة كبيرة اتسعت لهما، ودخلا السيارة السوداء الأنيقة.


وفجأة، صدح صوت أنثوي ناعم من الجهة المقابلة:

"عثمان باشا!"


التفت عثمان فرأى جنى، بتنورتها القصيرة ومعها عدد من الفتيات، يقفن تحت أحد المظلات.


قالت بنبرة خجولة:

"عربيتي عطلت في نص الطريق. ممكن أوصل معاك، سيد زهران؟"


علّق نظره على وجهها، وكلمات عمر  تتردد في ذهنه: "عيون جنى شبه جدًا عيون الشخص ده..."

وبالفعل، بعد لحظة تأمل، لاحظ الشبه الغامض.


أومأ بهدوء. "اركبي."


دخلت جنى السيارة وقد غمرتها نظرات زميلاتها الحاسدة. كانت تشعر أنها تحقّق انتصارًا صغيرًا.


قالت بابتسامة خفيفة:

"النهارده عيد ميلاد صاحبتي، ومكنتش متوقعة المطر. كل العربيات اتسحبت، ولو ماكنتش هنا، كنت غرقت في المية!"


كان الهواء داخل السيارة منعشًا، ممزوجًا برائحة كولونيا خفيفة تعرّفت عليها جنى فورًا. رائحة عثمان... رائحة تُثير قلبها بهدوء.


مدّ لها عثمان علبة مناديل، دون أن ينظر نحوها.

"نشفى نفسك."


"شكرًا ليك، ."

تناولت المنديل بخفة، وتلامست أطراف أصابعها بيده دون قصد، فشعرت بحرارة في وجنتيها.


حاولت أن تُخفي خجلها، وتحركت لا شعوريًا بالقرب منه.


تمنت في سرّها لو حصل أي عطل بسيط، فتتظاهر بالخوف... يمكن تلاقي فرصة تقرّب أكتر.


لكن زين كان صخرة لا تُكسر. حتى وسط العاصفة، كانت قيادته ثابتة كالمعتاد.


سألت جنى بهدوء:

"حضرتك كنت في حفلة عشا في فندق La Nuit Rouge؟"


همهم عثمان بلا اهتمام، ثم سرح للحظة...

سيلا... أكيد نايمة دلوقتي.


وجود جنى بجواره أثار داخله حيرة. لم يكن معتادًا على وجود دخلاء في عالمه الخاص... ومع ذلك، لم يستطع إنكار فضوله تجاه ما يُخبّئه الغد.


صمتت جنى بعد أن شعرت بالبرود في ردّه، وعمّ السيارة هدوء ثقيل.

لو كان سليم هو السائق، لكان قد أدار الجوّ بحديث خفيف. أما زين، فقد كان قويّ الجسد، لكنّه في الحديث... أشبه بطفل في الروضة.


حاولت جنى فتح أكثر من موضوع، لكن محاولاتها ذابت في صمت عثمان.


وصلت السيارة أخيرًا إلى منزل عائلة التهامى، وكان المطر قد هدأ.

نزلت جنى على مضض وقالت بابتسامة لطيفة:

"ميرسي يا مستر زهران إنك رجعتني النهارده."


عثمان لم يردّ عليها، فقط أومأ لزين بالانطلاق.


عاد إلى "بلو باي"، وكانت الساعة تقترب من منتصف الليل.

دفع باب غرفة نومه في الطابق الثالث، فتجمّدت عيناه من المشهد.


سيلا، بجسدها النحيل وثوبها الحريري الأسود، مستلقية على السرير الفاخر. كان الثوب قد انزلق بفعل وضعيتها، كاشفًا عن ساقيها الطويلتين.


حولها... كان سايفان، الثعبان الاسود بطول المترين، يلتفّ ككرمة شيطانية، يحيط بجسدها كأنه يحرس كنزًا.


تذكّر عثمان مشهدًا من خياله، عن شيطان أفعى يلفّ ساحرة ناعمة في الغابة... في انتظار أمير ينقذها.


في لحظة، ظن أن سيلا قد ماتت من الخوف.


لكنه تذكّر... سايفان ثعبان غير سام.

جماله أخّاذ، لكنه لا يزال وحشًا يُرعب الجميع. حتى سليم وزيم لم يكونا يجرؤان على الاقتراب منه.


اقترب بخطى سريعة.

وحين شعرت سيلا بحركته، فتحت عينيها ببطء.


تلاقت نظراتهما، وتنفس عثمان الصعداء.


أصدر أمرًا هادئًا:

"سايفان، انزل."


لكن الثعبان لم يتحرك.


مدّت سيلا يدها، فالتفّ الثعبان برفق على معصمها.


نظر إليها بدهشة.

"إنتي... مش خايفة منه؟"


ربّتت على رأسه بابتسامة ناعسة:

"ده كائن جميل وصغير... أخاف منه ليه؟"


كان سايفان، بثوبه الاسود اللامع، أقرب لتحفة نادرة. امتلاكه يضاهي امتلاك سيارة فيرارى.


تثاءبت

 سيلا، ومسحت عينيها، ثم قالت بنبرة ساخرة:

"متأخر كده؟ أكيد ليلتك كانت مليانة إثارة."


رفع عثمان حاجبيه.

"بتستغلي لقب السيدة زهران علشان تحققي معايا؟"


ضحكت بسكون، ثم تثاءبت مرة أخرى:

"هو فيه حد  يزعج ويصحى حد كدا من النوم ؟ مفروض تبقى أفضل من كدا  ."


ردّ ببساطة:

"دي أوضتي."


نظرت له بنصف ابتسامة.

"ولو في سرير تاني في الفيلا... تفتكر كنت نمت هنا؟"


     ✨✨✨✨✨✨✨✨

استمتعوا بالفصل ❣️ 🔥 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العرافة

العرافة

العرافة